قبل مدة طويلة، كان لي جارًا أعرفه !.. وكنت أشاهده في بعض المرات في المسجد لا سيما في يوم الجمعة
عندما أخذت الدراهم عدوت مسرعًا إلى سوق التمور أشتري زنبيلًا من التمر نملأ به بطوننا، فاشتريت زنبيلًا بريالين،
وطلبت من الحمّال أن يتبعني به فليس بي طاقة على حمله من شدة الجهد وألم الجوع، فسبقته، فلما وصلت بيتي التفت فلم أجد الحمّال خلفي فرجعت أبحث عنه فلم أجده،
فقلت: أرجع إلى السوق فأشتري بدله آخر وأبحث عن الحمّال في وقت سعة. فلما أردّتُ أن أنقد ثمن التمر لم أجد في جيبي شيئًا،
فأصابني من الهمّ والغمّ ما لو نزل بجبل لهدّهُ. فعزمت على الذهاب للحرم، فلما دخلت المطاف وجدت البدوي يطوف ومعه ابنتي،
فوقع في نفسي أن أتربص به حتى إذا خرج من مكة عدوت عليه في إحدى شعابها فقتلته وخلّصتُ ابنتي،
فبينما أنا أطوف إذ رمقني ووقعت عينه على عيني فلما انتهى صلى خلف المقام وصليت، ثم التفت إليّ ودعاني فقال:
من هذه البنت التي بعتنيها ؟
قلت: جارية عندي!
قال: بل هي ابنتك، سألتها فقالت: هذا أبي. فما حملك على ما صنعت؟
قلت: والله لقد مرّ بي وبها وبأُمِّها ثلاثة أيامٍ لم نذق فيها طعامًا وقد خشينا المoت فقلت أبيعها لعل الله أن ينقذنا بها وينقذها بك. ثم أخبرته بخبر ثمنها وأني فقدته ولم أنتفع منه بشيء.
قال: خذ ابنتك ولا تعد لمثل هذا، وأخرج صرة فيها ثلاثون ريالًا فقال: هذه بيني وبينك، فقسمها نصفين ثم دفع إلي نصيبي.
ففرحت فرحًا عظيمًا وشكرته ودعوت الله له وحمدت الله على فضله، وأخذت ابنتي وذهبت إلى سوق التمر لأشتري تمرًا لي ولابنتي وزوجتي.
ففوجئت بالحمّال الذي حمل التمر لي، فصرخت فيه: أين كنت ؟ فقال: يا عم لقد أسرعتَ في مسيرك حتى عَمِيَ عليّ طريقك وطفقت أبحث عنك فلم أجدك فرجعت إلى السوق لعليّ أعثر عليك، والحمد لله أني وجدتك.
قال: فقلت له: اِلحق بي، فلما دخلنا البيت وأراد أن يفرغ التمر في إناء عندنا إذا بالدراهم العشرة التي فقدتها في أسفل الزنبيل.
فحمدت الله وشكرته على فضله وعلمت أن الفرج يأتي بعد الكرب وأن مع العسر يسرًا.
وعاهدتُّ ربي أن أشكر نعمته وأن أُجِلَّ رزقه وأن لا أحقر طعامًا أو أرميه أو أدعه منبوذًا مع القمامة والقاذورات والله المستعان
فهذا خبري فهل أُلام على ما فعلت ؟!!