رواية بيت الراوي
مرت الأيام.. وفي يوم التقيتُ بزوجي السابق صدفةً، رأيته ولم يراني، لأنه كان مشغول بأولاده.. وزوجته!
كنت أرى لمعة الفخر في عينه لهم، يملك صبيان رائعان حفظهما الله له، كان يمسح أثر الأيس كريم
عن ولده البكر كما يبدو، والصغير كان يحمله على كتفه ويمزح معه بمرح.
ودون درايتي ضغطت على يد صغيري بشدة ألمته- أمي، يدي.
أرخيتها وجلست القرفصاء أمامه أحجب عنه رؤية أبيه وهو يمنح كل حبه ودعمه لأولاده من امرأة أخرى، ما ڈڼپ صغيري إن كان جميلًا بهيئة أُخرى غير التي اعتادها العالم، ماذنب قلبه إن كان لا يؤذي فيؤذىٰ!
توالت الأيام والسنين ومرّ العمر..
وفي يوم بلغني أن أبو ابني مريض بشدة ويعاني ألمًا لا يجعله يبرح من مكانه، وأن أولاده وزوجته أودعوه في دار مسنين لأنه أصبح عبئًا ثقيلًا عليهم، وبحكم كل شيء كان بيننا يومًا.. ذهبتُ إليه.
كنت أخطو خطواتي وأنا أرى شريط حياتي أمامي، لقائنا الأول.. فترة خطوبتنا.. اعترافه الأول بالحب.. زواجنا.. وأول بشرى لمولود جديد! ومن هنا كان كل شيء بعدها ضباب.
عندما سمعت أذن الدخول، شددت على يد صغيري ودخلت..
رأيته.. كان يعاني للوصول لكوب الماء بجواره، كدت أخطي لأعطيه إياه.. إلا أن يد سبقتني
- أبي..
نظرتُ للمشهد أمامي وأنا أبتسم بوجع، طفلي الذي رفضه أبوه يومًا ها هو الآن من يسقيه، ويمسح آثر الماء المسكوب من على ذقنه.
نظر لي نظرة أدركتها، ولكن ما عاد للندم من فائدة الآن، انقضى العمر وانتهى الأمر.
كان قد أهلكه الحزن والوجع أكثر من المرض، ابتسمتُ له بهدوء لا يعبر عن شيء وأنا أقترب..
جلس كامل بجواره على السرير وأخذ يمسح على شعره ويبتسم له بحنان، كما أفعل أنا معه حتى ينام..
ومن ثم قبَّله على جبينه- هل تحتاج لشيء أبي؟
رأيتُ الدمع يهطل من عينه، كما رأها كامل ومحاها بإصبعه.
- لا تبكي أبي، أنا وأمي... هنا بجوارك.
طفلي الذي لم يؤمن به والده على أنه شخص كامل أو كما بقية الخلق، هو الآن من بقيَّ عليه، وأولاده الذين كان يفتخر بهم وأرادهم سليمَّي الجسد حصل عليهم ولكنهم أول من باعوه.. طفلي الذي رفضه العالم كان يملك أكثر مما يملكه صحيحي الأجساد.. كان يملك قلبًا لم يمسه حقد أو كره.. قلبًا نقيًا تمامًا.