يقول أحد الإخوة من قرى الجزائر

موقع أيام نيوز


قلت وبصوت مرتفع ونبرة حادة: والله، لن أذوق لكم طعاماً إلا إذا أخبرتموني مَن أنتم؟ ومَن تكونون؟

 

أنتَ تخدمني طوال أسبوع كامل، ومن قبل بالمستشفي وأنا لا أعرفك.. تخدمني وتُبالغ في إكرامي، وكانك تعرفني او احد اقاربك وأنا لم ألتقِ بك من قبل سوى مرة واحدة في المستشفى، 
من أنت بالله عليك !؟

قال : يا عم كُلْ، هيا كُلْ وبعد العشاء أخبرك.. 
قلت: والله لن تدخل فمي لقمة واحدة، ولن آكل طعامك إن لم تخبرني من أنت؟ ومن تكون؟

حاول الرجل التهرب من الجواب لكنه وأمام إصراري.. أطرق برأسه قليلا.. ثم قال بنبرة خاڤتة: يا عمى، إن كنتَ تَذْكُر، فأنا ذاك الطفل الذي أعطيته ( خمسة دنانير ) سنة 1964 ، عندما كنتُ أجلس خلفك في الحافلة، 

أنا فلان إبن فلان.. 
قلت له : آه تذكرت، أنت إبن فلان رحمةالله عليه من قريتنا ..
نعم، نعم، لقد تذكرت ..
يومها كنت في الحافلة متجهاً من قريتنا الريفية  إلى إحدى المدن القريبة، وكان يجلس خلفي صبيان عمرهما لا يتجاوز على ما يبدو الخمسةعشرةعاما ، سمعت أحدهما يحدث الآخر قائلاً له: هذا العام شحَّت السماء، والخريف يوشك أن ينصرف، والأرض لا تُنبت شيئًا، وأبي فلاح فقير ليس بيده ما ينفقه عليَّ، ولذلك فأنا مضطر لترك  الدراسة هذا العام!! لعدم استطاعت ابي علي مصاريف الدراسة.

لمّا سمعت الطفلين يتحدثان عن الفقر والحِرمان بهذا الوعي الذي لا يدركه إلا الكبار، تأثرت وضاقت عليَّ الأرض بما رحبت!! 
وعلى الفور أخرجت من جيبي ( خمسة دنانير ) وأعطيتها للصبي، وقلتُ له: خذ هذه الدنانير  والمبلغ آنذاك كبيرا وكان يفي لشراء الأدوات المدرسية كلها.. 

رفض الصبي أخذ الدنانير، فقلت له: ولماذا يا ولدي!؟ قال: ربما يظن أبي أني سرقتها؟ قلت: قل له فلان بن فلان أعطاني إيّاها لش

راء الأدوات المدرسية، فإن أباك يعرفني تمام المعرفة.. 
تهللت أسارير الطفل وتناول(الدنانيرالخمسة) وابتسم ابتسامة الرضا والسرور ودسّها في جيبه.. 
ونسيت من يومها هذا الموقف مع ذاك الصبي.

قال الشاب : أنا يا عم ذلك الصبي، ولولا تلك الدنانير الزهيدة لما أصبحت اليوم بروفيسوراً في أكبر مستشفى بالجزائر.. 
وها قد التقينا بعد أن منَّ الله علي بأعلى المراتب في أنبل وأشرف المهن، فقد افترقنا سنة 1964 وها نحن نلتقي سنة 1994 ، بعد 30 سنة بالتمام والكمال!!
والحمد لله أن قدرني ربي لأرد لك بعض الجميل.. 

يا عم، ( الدنانير الخمسة ) التي أعطيتها لي، صنعت مني  استاذا في الطب.. 
يا عم، والله لو أعطاني أحد كنوز الدنيا لما فرحت بها الآن كفرحي يومها بتلك الدنانير الزهيدة.
يا عم، أفضالك عليَّ كبيرة، والله مهما فعلت فلن أرد لك الجميل.
فأسأل الله أن يجازيك خير الجزاء في الدنيا، والأجر الكبير في الآخرة.

الشاهد من القصة هي 
صنائع المعروف تقي مصارع السوء ..
وكما تَدين تُدان .. وكل ساقٍ سيُسقى بما سقى يوماً ما

🌹اسعد الله اوقاتكم بكل خير 🌹

تم نسخ الرابط